مقدمه
يُطلق وصف أورام المخ على أي نمو شاذ بأي خلايا أو أنسجة تتواجد ضمن الجمجمة، سواء أكانت أوراما حميدة لا تحتوي على خلايا متسرطنة أو أوراما خبيثة تتكون من خلايا سرطانية أو أورام ناشئة بمواضع أخرى من الجسم وتنتشر لتصل إلى المخ وتسمى أوراماً ثانوية.
رغم التطور الملحوظ في العلاج الجراحي وكل من العلاج الإشعاعي والعلاج الكيماوي لأورام المخ فإن المآل المرضي لهؤلاء المرضي مازال غير جيد ، لذا فنحن في حاجة ماسة إلى وسائل علاجية جديدة حيث يحتاج هؤلاء المرضى إلى علاجات متعددة للسيطرة على هذه الأورام.
لقد كان يُعتقد أن إستئصال أكبر كم ممكن نسيج الورم يُحسن بشكل ملحوظ فترة بقاء هؤلاء المرضى على قيد الحياة ، ولكن لا يوجد أي دليل قوي يثبت ذلك من خلال الدراسات العشوائية ، كما أن الإستئصال الكامل لأورام المخ في حد ذاته هو عملية صعبة المنال سواء كان ذلك لطبيعة أورام المخ (خصوصا الأورام الدبقية) في توغلها داخل نسيج المخ أو لوجود الورم في مناطق قريبة من مراكز حيوية في المخ ، وبالتالي فإن الإستئصال الجراحي نجاحه محدود وقد يؤدي إلى مضاعفات عصبية أو عجز في بعض وظائف المخ.
العلاج الإشعاعي هو علاج باستخدام التطبيقات المختلفة للإشعاع المؤين لتدمير الخلايا السرطانية وتقليص الورم ، وقد لُوحظت قدرة العلاج الإشعاعي على إطالة فترة بقاء هؤلاء المرضى على قيد الحياة في خلال الثلاث عقود الماضية ، ويُستخدم العلاج الإشعاعي كعلاج مساعد بعد العلاج الجراحي وخصوصا في الأورام الدبقية أو كعلاج شفائي في حالات أورام الأديم الظَّاهِر العصبي وأورام الخلايا التناسلية أو كعلاج لمجرد إيقاف إزدياد حجم الورم والحفاظ على حجمه الحالي كما هو الحال في الأورام السحائية وأورام الغدة النخامية.
أما العلاج الإشعاعي الجراحي فهو يستخدم جرعة عالية من الإشعاع تطلق لمرة واحدة وبدقة عالية على نسيج الورم فقط وليس على كل المخ كما هو الحال في العلاج الإشعاعي العادي بغرض تدمير الورم نهائيا ، ومن أشهر وسائل هذا العلاج هو سكين جاما. وقد أُستُخدم هذا العلاج في باديء الأمر في علاج أورام المخ الحميدة مثل الأورام السحائية وكذلك أورام الغدة النخامية وكان بديلا جيداً للجراحة. أما الآن فيستخدم هذا العلاج ايضا في أورام المخ الثانوية محققا نجاح جيد في حالات مختارة ولكن هذا العلاج مازال نجاحه محدود في مجال الأورام الدبقية.
أما العلاج الكيماوي فقد لعب دور مساعد منذ البداية وذلك لنجاحه المحدود كعلاج وحيد لأورام المخ لصعوبة إجتيازه للحائل الدموي الدماغي ، وأحدث أنواعه هو عقار التيموزولميد واللذي حقق نجاحا لحد ما في علاج الأورام الدبقية وخصوصا عند إقترانه بالعلاج الإشعاعي حيث أدى إلى زيادة فترة بقاء المرضى على قيد الحياة مقارنة بالعلاج الإشعاعي منفرداً.
لذا يعتبر العلاج الإشعاعي والكيماوي هما العمود الفقري للعلاجات غير الجراحية لمعظم أورام المخ وخصوصا الأورام الدبقية وذلك عند إستخدامهما بشكل متزامن مع بِدء العلاج الكيماوي بشكل مبكر وإستكماله بعد الإنتهاء من العلاج الإشعاعي.
العلاج المناعي هو أحد وسائل العلاج التي ظهرت لمهاجمة أورام المخ والتي أوضحت نتائج مشجعة حيث يتميز بقدرته على مهاجمة خلايا الورم بخصوصية وفعالية عالية مع الحفاظ في نفس الوقت على خلايا المخ ، ويعتبر العلاج المناعي آمن وفعَّال حسب الدراسات التي أُجريت عليه. والعلاج المناعي قد يكون علاج مناعي نشِط أو علاج مناعي سلبي أو علاج مناعي يتبنى إستخدام خلايا مناعية معينة واللذي نادراً مايستخدم حالياً.
العلاج المناعي النشِط يستهدف إستثارة جهاز المناعة لدي المريض لإحداث إستجابة مناعية مضادة للورم وذلك عن طريق لقاحات معينة ، ويوجد بعض اللقاحات التي أظهرت نتائج واعدة في مجال علاج أورام المخ وتنتظر المزيد من الدراسة على أعداد كبيرة من المرضى ، أم العلاج المناعي السلبي فيتضمن إعطاء المريض أجسام مضادة معدَّة مسبقاً خارج جسم المريض وتستهدف هذه الأجسام المضادة خلايا الورم ، ومن أشهر أنواعه عقار البيڤاسيزيوماب واللذي أظهر نتائج مشجعه خصوصاً عند إقترانه بالعلاج الكيماوي. وبالرغم أن العلاج المناعي لم يُكتشف ولم يُستخدم ليكون علاج وحيد لأورام المخ إلا أنه سوف يأخذ مكانه كعلاج مساعد هام جداً وفعَّال.
حيث أن أورام المخ وخصوصاً الأورام الدبقية تتميز بوعائية دموية عالية فإن العلاج المضاد لتكوين الأوعية الدموية سيكون من العلاجات الفعَّالة والهامة واللذي بدأ يُستخدم بشكل كبير لعلاج أورام المخ ، وعقار البيڤاسيزيوماب السالف ذكره له تأثير مضاد لتكوين الأوعية الدموية وأيضا يقلل التضخم الناشيء حول معظم أورام المخ التي أظهرت إستجابة جيدة لهذا العقار ، لذا فالعلاج المضاد لتكوين الأوعية الدموية له قدرة عالية على إيقاف نمو الورم.
أما العلاج الچيني فيتم بإستخدام مادة چينية مثلRNA أو DNA وإدخالها داخل خلايا الورم لتحقيق هدف مُعين وهو تدمير خلايا الورم ويتم ذلك عن طريق إدخال چين إنتحاري أو چين مثبط للتورم أو چين يزيد الدفاعات المناعية للجسم أو چين يقلل من قدرة الورم على تكوين أوعية دموية جديدة ، وحتى الآن العلاج الچيني هو علاج تحت الدراسة ولم يتم تطبيقه على أعداد كبيرة من المرضى ولكنه أظهر نتائج مشجعة في هذه الدراسات الأولية ، ويعتبر العلاج الچيني أحد الأسلحة المتاحة لمهاجمة أورام المخ وسوف يكون وسيلة علاج فعَّالة وخصوصاً عند إستخدامه مع كل من العلاج الإشعاعي والعلاج الكيماوي.
أما بالنسبة للعلاج الهرموني فقد حقق نتائج باهرة في علاج أورام الغدة النخامية سواء في تقليل حجم الورم أو في السيطرة على الإفراز الهرموني وتوصيله الى معدلاته الطبيعية بالنسبة للأورام المفرزة للهرمونات ، وتوفر كل من محفزات الدوبامين ومشابهات السوماتوستاتين أدى الى طفرة في مجال علاج هذه الأورام.
ونظراً لأن أورام المخ دائماً ما تكون مصحوبة بتورم وتضخم في نسيج المخ المحيط بها مما يؤدي الى زيادة في الضغط داخل الجمجمة مُحدِثاً العديد من الأعراض ، لذا فإن دور الأدوية المثبطة للتورم هو دور حيوي وهام جداً حيث تُستعمل تقريبا في كل أورام المخ ، ومن أهم هذه الأدوية وأكثرها إستعمالا هي الكورتيكوستيرويدز وأهمها عقار الديكساميثازون وقد حققت هذه الأدوية نجاح رائع في تقليل التضخم المحيط بالورم وبالتالي تقليل الأعراض الناتجة عنه بشكل جيد وسريع ولكنها أيضا مصحوبة ببعض الآثار الجانبية مما إستلزم البحث عن بدائل لهذه الأدوية يكون لها آثار جانبية.
بالرغم من التقدم الملحوظ في فهم بيولوچيا أورام المخ إلا أن التقدم في إطالة فترة بقاء هؤلاء المرضى على قيد الحياة تقدم بسيط نوعاً ما ، لكن مازال العلاج الإشعاعي والعلاج الكيماوي وإستخدامهم بشكل متزامن له أهمية قصوى ، وظهور بعض العلاجات الجديدة التي أظهرت نتائج مشجعة يعطي الأمل لهؤلاء المرضى ويجعلنا نتوقع تقدم وشيك في مجال علاج أورام المخ.
انقر هنا لتنزيل الرساله فى نسق PDF
انقر هنا لتنزيل الرساله فى نسق Microsoft word 2007
د. ياسر متولى
اترك تعليقًا